الإسلام يغرس فى نفس المسلم كراهة السؤال للناس . تربية له على علو الهمة
وعزة النفس . والترفع عن الدنايا . وإن رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم
ليضع ذلك في صف المبادئ التي يبايع عليها صحابته . ويخصها بالذكر ضمن أركان
البيعة ، فعن أبي مسلم الخولاني قال : حدثنى عوف بن مالك قال : " كنا عند
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سبعة أو ثمانية أو تسعة فقال : " ألا
تبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ولنا حديث عهد ببيعة " قلنا : قد
بايعناك ! حتى قالها ثلاثاً . وبسطنا أيدينا فبايعنا. فقال قائل : يا رسول
الله ، إنا قد بايعناك فعلام نبايعك ؟ قال : " أن تعبدوا الله ولا تشركوا
به شيئاً . وتصلوا الصلوات الخمس ، وتسمعوا وتطيعوا " وأسر كلمة خفية : قال
" ولا تسألوا الناس شيئاً " قال راوي الحديث : فلقد كان بعض أولئك النفر
يسقط سوطه ، فما يسأل أحدأ أن يناوله إياه .( رواه مسلم وأبو داود والنسائى
، وابن ماحة
[url=http://forum.te3p.com/58360.html][img]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]ـ كما فى الترغيب والترهيب ج 2 باب : الترهيب من المسألة ) . وهكذا نفذ
هؤلاء الأصحاب الميامين مضمون هذه البيعة النبوية تنفيذا " حرفيا " فلم
يسألوا أحدا حتى فيما لا يرزاَ مالاً ولا يكلف جهداً . ورضي الله عن
الصحابة فإنهم ما انتظروا على الناس إلا بعد أن انتصروا على أنفسهم .
وألزموها صراط دينهم المستقيم .
وعن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم :" من يتكفل لى أن لا يسأل الناس شيئا وأتكفل له بالجنة "؟
فقال ثوبان : أنا يا رسول ، فقال : "لا تسأل الناس شيئا " فكان لا يسأل
أحداً شيئاً ( رواه أبو داود ـ المصدر السابق ، " وأخرجه البيهقي في السنن
الكبرى : 197 / 4 ) .
ولقد صور لهم النبي صلى الله عليه وسلم اليد الآخذة بـ " اليد السفلى"
واليد المنفقة أو المعطية بـ "اليد العليا " وعلمهم أن يروضوا أنفسهم على
الأستعفاف فيعفهم الله . وعلى الأستغناء عن الغير فيغنيهم الله ، فعن أبي
سعيد الخدرى : أن ناساً من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فأعطاهم ، ثم سألوه فأعطاهم ، حتى إذا نفد ما عنده قال : " ما يكون عندي
من خير فلن أدخره عنكم . ومن يستعف يعفه الله . ومن يستغين يغنه الله ،
ومن ينصبر يصبره الله . وما أعطى أحد من عطاء أوسع من الصبر " ( رواه السنة
إلا ابن ماجه )
[url=http://ikt.hia.no/sqo/images/weak%20link.JPG][img]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] العمل هو الاساس
لقد علم الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه مبدآين جليلين من مبادىء الإسلام :
المبدأ الأول : أن العمل هو أسا الكسب وأن على المسلم أن يمشي في مناكب
الأرض وينبغي من فضل الله وأن العمل ـ وإن نظر إليه بعض الناس نظرة آستهانة
ـ أفضل من تكفف الناس ، وإراقة ماء الوجه بالسؤال : " لأن يأخذ أحدكم حبله
على ظهره فيأتى بحزمة من الحطب فيبيعها . فيكف الله بها وجهه ، خير من أن
يسأل الناس أعطوه أو منعوه " ( رواه البخارى في أول كتاب " البيع " عن
الزبير) والمبدأ الثاني : أن الأصل في سؤال الناس وتكففهم هو الحرمة ، لما
في ذلك من تعويض النفس للهوان والمذلة ، فلا يحل للمسلم أن يلجأ للسؤال إلا
لحاجة تقهره على السؤال ، فإن سأل وعنده ما يغنيه كانت مسألته خموشاً في
وجهه يوم القيامة .
وفى هذا المعنى جاءت جملة أحاديث ترهب عن المسألة بوعيد تنفطر له القلوب .
[url=http://forum.te3p.com/58360.html][img]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] من ذلك ما رواه الشيخان والنسائى عن ابن عمر مرفوعاً : " لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهه مزعة لحم " .
ومنها ما رواه أصحاب السنن : " من سأل وله ما يغنيه جاءت يوم القيامة خموش
أو خدوش أو كدوح في وجهه " ، فقيل : يا رسول الله ! وما الغنى ؟ قال "
خمسون درهما أو قيمتها ذهباً ( رواه الأربعة) فالمسألة تصيب الإنسان في أخص
مظهر لكرامته وإنسانيته وهو وجهه .
ومنها حديث : " من سأل وله أوقية فقد ألحف " ، ( رواه أبو داود والنسائى ) . والأوقية أربعون درهما .
[url=http://forum.te3p.com/58360.html][img]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]ومنها حديث :" من سأل وعنده ما يغنيه ، فإنما يستكثر من النار ـ أو من جمر
جهنم ـ فقالوا : يا رسول الله وما يغنيه ؟ قال : " قدر ما يفديه ويعشيه " (
رواه أبو داود )
وهل المراد أ عنده غذاء يوم وعشاه ؟ أم المراد أنه يكسب قوت يوم بيوم ، فيجد غذاءه وعشاءه على دائم الأوقات ؟
لعل هذا هو الأرجح والأليق ، فمثل هذا هو الذي يجد من رزقه المتجدد ما يغنيه عن ذل السؤال .
العلاج
والعلاج العلمي هنا يتمثل في أمرين :
الأول : تهيئة العمل المناسب لكل عاطل قادر عل العمل ، وهذا واجب الدولة
الإسلامية نحو أبنائها ، فما ينبغي لراع مسؤول عن رعيته أن يقف مكتوف
اليدين أمام القادرين العاطلين من الموطنين ، كما لا يجوز أن يكون موقفة
منهم بصفة دائمة اليد بمعونة ، قلت أو كثرت ، من أموال الصدقات . فقد ذكرنا
في مصادر
الزكاة قوله عليه الصلاة والسلام : " لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي " وكل إعانه مادية تعطى " لذي مرة سوي"
ليست في الواقع إلا تشجيعا للبطالة من جانب ، ومزاحمة للضعفاء والزمني والعاجزين في حقوقهم من جانب أخر .
[url=http://forum.te3p.com/58360.html][img]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]والتصرف السديد الواجب هو ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بإزاء واحد
من هؤلاء السائلين ، فعن أنس بن مالك أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلى
الله عليه وسلم ، يسأله فقال : أما في بيتك شىء ؟ قال : بلى : حلس ( الحلس :
كساء يوضع على ظهر البعير أو يفرش في البيت تحت حر الثياب ) ، نلبس بعضه ،
ونبسط بعضه ، وقعب ( والقعب : القدح أو الإناء ) . نشرب فيه الماء ، قال :
ائتني بهما فأتاه بهما ، فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال من
يشترى هذين ؟ قال رجل : أنا أخذهما ببدرهم ، وقال : من يزيد على درهم ؟
مرتين أو ثلاثا ـ قال رجل : أنا أخدهما بدرهمين ، فأعطاهما إياه وأخذ
الدرهمين . وأعطاهما الأنصارى وقال : أشتر بأحدهما طعاماً وانبذه إلى أهلك ،
واشترى بالأخر قدوما فائتني به ، فشد رسول الله صلى الله عليه وسلم عودا
بيده ثم قال له : أذهب فاحتطب وبع ، ولا أرينك خمسة عشر يوماً فذهب الرجل
يحتطب ، ويبيع فجاء وقد أصاب عشرة دراهم فاشترى ببعضها ثوباً وببعضها
طعاماً ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" هذا خير لك من أن تجيء
المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة ، إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة : لذي
فقر مدقع " والفقر المدقع : الشديد وأصله من الدقعاء وهو التراب ومعناه :
الفقر الذى يقضي به إلى التراب ، أي لا يكون عنده ما ينقي به التراب " أو
لذي غرم مفظع " والغرم المفظع : أن تلزمة الدية الفظيعة الفدحة ، فتحل له
الصدقة ويعطى من سهم الغارمين " أو لذي دم موجع " الدم الموجع : كناية عن
الدية يتحملها ، فترهقة وتوجعه ، فتحل له المسألة فيها " .
[url=http://forum.te3p.com/58360.html][img]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]الإسلام سباًق دائماَ
وفي هذا الحديث الناصع نجد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يرذ للأنصاري
السائل أن يأخذ من الزكاة وهو قوي على الكسب ، ولا يجوز له ذلك إلا إذا
ضاقت أمامة المسالك ، وأعيته الحبل ، وولي الأمر لابد أن يعينه في إتاحة
الفرصة للكسب الحلال وفتح باب العمل أمامه .
إن هذا الحديث يحتوى خطوات سباقة سبقّ بها الإسلام
ـ إنه لم يعالج السائل المجتاح بالمعونة المادية الوقتية كما يفكر كثيرون .
ولم يعالج بالوعظ انمجرد والتنفير من المسألة كما يصنع أخرون . ولكنه أخذ
بيده في حل مشكلته بنفسه وعلاجها بطريقة ناجحة .
ـ وعلمه أن كل يجلب رزقاً حلالاً هو عمل شريف كريم . ولو كان احتطاب حزمة
يجتلبها فيبيعها ، فيكف الله بها وجهه أن يراق ماؤه في سؤال الناس .
ـ وأرشده إلى العمل الذي يناسب شخصه وقدرته وظروفه وبيئته وهياً له " آلة العمل " الذي أرشده إليه ، ولم يدعه تأئهاً حبراناً
ـ وأعطاه فرصة خمسة عشر يوماً يستطيع أن يعرف منه بعدها مدى ملاءمة هذا
العمل له ووفاءه بمطالبة " فيقره عليه " أو يدبر له عملاً آخر .
ـ وبعد هذا الحل العملي لمشكلته لقنه ذلك الدرس النظري الموجز البليغ في
دائرتها ، وما احرانا أن نتبع نحن هذه الطريقة النبوية الرشيدة ! فقبل أن
نبدىء ونعيد في محاربة التسول بالكلام والإرشاد ، نبدأ أولاً بحل المشاكل ،
وتهيئة العمل لكل عاطل .
[url=http://forum.te3p.com/58360.html][img]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]دور الزكاة
ودور الزكاة هنا لا يخفى ، فمن أموالها يمكن إعطاء القادر العاطل ما يمكنه
من العمل في مصارف الزكاة ، ومنها يمكن أن يدرب على عمل مهني يحترفه ويعيش
منه ، ومنها يمكن إقامة مشروعات جماعية
ـ مصانع أو متاجر أو مزارع ونحوها ـ ليشتغل فيها العاطلون وتكون ملكاً لهم بالاشتراك ، كلها أو بعضها .
الأمر الثاني: أعني ثاني الأمور التي يتمثل فيها العلاج العملي للمسألة
والتسول في نظر الإسلام هو ضمان المعيشة الملائمة لكل عاجز عن اكتساب ما
يكفيه وعجزه هذا السببين
[url=http://forum.te3p.com/58360.html][img]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]ـ إما لضعف جسماني يحول بينه وبين الكسب لصغر السن وعدم العائل كما في
اليتامى ، أو لنقص بعض الحواس أو بعض الأعضاء أو مرض معجز ... الخ ، تلك
الأسباب البدنية التي يبتلى المرء بها ولا يملك إلى التغلب عليها سبيلاً ،
فهذا يعطى من الزكاة ما يغنيه جبراً لضعفه ، ورحمة بمعجزه ، حتى لا يكون
المجتمع عوناً للزمن عليه ، على أن عصرنا الحديث قد استطاع أن ييسر بواسطة
العلم لبعض ذوي العاهات كالمكفوفين وغيرهم ، من الحرَف والصناعات ما يليق
بهم ، ويناسب حالتهم ، ويكفيهم هوان السؤال ، ويضمن لهم العيش الكريم ، ولا
بأس بالإتفاق على تعليمهم وتدريبهم من مال الزكاة .
[url=http://forum.te3p.com/58360.html][img]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]ـ والسبب الثاني العجز عن الكسب هو انسداد أبواب العمل الحلال في وجه
القدرين عليه ، رغم طلبهم له ، وسعيهم الحثيث إليه ، رغم محاولة ولي الأمر
إتاحة الكسب لهؤلاء ، فهؤلاء ـ ولا شك ـ في حكم العاجزين عجزا جسمانياً
مقعداً ، وأن كانوا يتمتعون بالصحة والقوة لأن القوة الجسمية وحدها لا تطعم
ولا تغني من جوع ، ما لم يكن معها اكتساب .
[url=http://www.carto.net/neumann/travelling/china_tibet_2001/19_pass_kampala/06_poor_child.jpg][img]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]وقد روى الإمام أحمد وغير قصة الرجلين اللذين جاءا يسألان النبي صلى الله
عليه وسلم من الصدقة فرفع فيهما البصر وخفضه فوجدهما جلدين قويين فقال لهما
: " إن شئتما أعطيتكما ، ولا حظ فيها لغنى " ولا لقوي مكتسب " فالقوي
المكتسب هو الذي لا حق له في الزكاه