بسم الله الرحمن الرحيم
حبيبي في الله ..
قد آن أوان الجد والاجتهاد ، ومضى زمان العجز والكسل والرقاد ، جاء العشر فأكرم بها من أيام وليالٍ للعباد ، تكاثرت فيها الغنائم فمنْ للحصاد ؟ ومن سيوفق لنيل خير زاد للمعاد ؟ ومن سيؤذن له بالقرب بعد البعاد ؟ ها قد عُقد المزاد ، فمن يا ترى يفوز بالمراد ؟ فحذار أن تكون بضاعتك في كساد .
اجتهد أبو موسى الأشعري قبل موته اجتهادًا شديدًا ، فقيل له : لو أمسكت أو رفقت بنفسك بعض الرفق ؟ فقال : إنَّ الخيل إذا أُرسلت فقاربت رأس مجراها أخرجت جميع ما عندها .
حبيبي في الله .. جدَّ واجتهد
عن عائشة - رضي الله عنها- قالت : كان رسول الله إذا دخل العشر شد مئزره ، و أحيا ليله ، و أيقظ أهله .[ متفق عليه ]
وفي رواية لمسلم عنها قالت : كان رسول الله يجتهد في العشر الأواخر مالا يجتهد في غيره .
وهذا لتحري ليلة القدر ، قال تعالى : وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ [ القدر:2-5 ]
حبيبي في الله ... لا تكن مع المحرومين
قال النبي : إن هذا الشهر قد حضركم ، وفيه ليلة خير من ألف شهر ، من حرمها فقد حرم الخير كله ، و لا يحرم خيرها إلا محروم [رواه ابن ماجه وحسنه الألباني (2247) في صحيح الجامع]
فما الذي فاتك يا محروم من نيل مناك ، أمتَّ قلبا كان حيا أحسن الله عزاك ، فكل ما شغل العبد عن الرب فهو مشئوم ، ومن فاته القرب من مولاه فهو المحروم ، اللهم إنا نعوذ بك من الحرمان .
هذه ليلة القدر
ليلة عظيمة فعظِّموا فيها ربكم .
فقد قال الزهري : أنَّ القدر هو العظمة ، كما تقول : لهذا الشخص قدر : أي مكانة ومنزلة عظيمة . ومنه قوله تعالى : وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [ الأنعام : 91 ] .
فهي ليلة ذات قدر ، نزل فيها كتاب ذو قدر ، وتنزل فيها رحمة ذات قدر ، وملائكة ذوو قدر .
تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا [ القدر : 4 ]
فينبغي لمن أراد أن يفوز بليلة القدر ، أنْ يُعظِّم فيها ربَّه ، فلا ينشغل عنه فيها بأي شيء من حطام الدنيا الفاني ، ويكثر من التكبير والتهليل ، فإنَّه من استقامة اللسان ، وهو سبب استقامة القلب .
قال : لا يستقيم إيمانُ عبد حتى يستقيم قلبه ، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه
[ رواه الإمام أحمد وحسنه الألباني (2841) في الصحيحة ]
ليلة تضيق فيها الأرض من كثرة الملائكة
فقد فسَّر الخليل بن أحمد معنى القدر بأنه من الضيق ، كما قال تعالى : وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ [ الطلاق : 7 ]
والمعنى أنَّها ليلة تضيق فيها الأرض عن الملائكة الذين ينزلون .
قال أبو هريرة : الملائكة ليلة القدر في الأرض أكثر من عدد الحصى . [ زاد المسير (9/192) ]
فيا لرحمة الله ، ويا سعادة من بلغها ، يقف في الصلاة ولربما التصق به الملك ، يقرأ القرآن فيضع الملك فمه في فمه .
قال رسول الله : إن العبد إذا تسوك ، ثم قام يصلي ، قام الملك خلفه ، فيستمع لقراءته، فيدنو منه ، حتى يضع فاه على فيه ، فما يخرج من فيه شيء من القرآن إلا صار في جوف الملك ، فطهِّروا أفواهكم للقرآن [ رواه البزار وصححه الألباني (1213) في الصحيحة ]
فهل تحبُّ أنْ تسلِّم عليك الملائكة وتصافحك كما حدث مع بعض الصحابة
ذكر قتادة أن الملائكة كانت تصافح عمران بن حصين حتى اكتوى . [ الطبقات الكبرى (4/288) ]
ولما حضرت معاذ الوفاة ، قيل له : هل ترى شيئا ؟ قال : نعم شكر لي ربي حسن عزائي ، أتاني روح ابني يبشرني أن محمدا في مائة صف من الملائكة والشهداء الصالحين يصلون على روحي ويسوقوني إلى الجنة ؛ ثم أغمي عليه . فرأوه كأنه يصافح قوما ويقول : مرحبًا مرحبًا أتيتكم ثمَ مات – رحمه الله – [ تاريخ دمشق : (58/448) ]
فعليك – عبد الله - بكثرة ذكر الله تعالى في هذه الليلة .
جاء في بعض الإسرائيليات : يا موسى إن أردت أن لا يبقى ملك في السموات السبع والأرض إلا سلموا عليك وصافحوك يوم القيامة فأكثر التسبيح والتهليل [ حلية الأولياء (6/37) ]
إنها ليلة الشرف
قال أبو بكر الوراق : من لم يكن له قدر صار بمراعاتها ذا قدر .
فيا من ليس لك عند الله حظ ولا نصيب ، يا من تشتكي من انغلاق الأبواب ، يا من كبلته الخطايا والذنوب فقنط ويئس ، أبشر فقد يصلحك الله في هذه الليلة ، قد يحبك ، قد يفيض عليك من جوده ورحمته ، فتصير بعدها عند الله وجيهًا . اللهم اجعلنا منهم يا أرحم الراحمين .
ليلة يباهي الله فيها الملائكة بعباده الصالحين .
قال ابن رجب : فإنَّ الملوك و السادات لا يحبون أن يدخل دارهم أحد حتى يزينوا دارهم بالفرش والبسط ، و يزينوا عبيدهم بالثياب والأسلحة ، فإذا كان ليلة القدر أمر الرب تبارك و تعالى الملائكة بالنزول إلى الأرض ؛ لأن العباد زينوا أنفسهم بالطاعات بالصوم والصلاة في ليالي رمضان ، و مساجدهم بالقناديل و المصابيح فيقول الرب تعالى : أنتم طعنتم في بني آدم و قلتم : أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء فقلت لكم : إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ، اذهبوا إليهم في هذه الليلة حتى تروهم قائمين ساجدين راكعين لتعلموا أني اخترتهم على علم على العالمين .
[ لطائف المعارف ص 350 ]
ليلة مباركة هي خير من ألف شهر
فلما كانت أعمار الأمم السابقة أطول خشي النبي أن تتقاصر أعمار أمته فلا يبلغوا من العمل الذي بلغه غيرهم في طول العمر ، فأعطاه الله ليلة القدر خيراً من ألف شهر
قال النخعي : العمل فيها خير من العمل في ألف شهر .
قال جويبر : قلت للضحاك : أرأيت النفساء و الحائض و المسافر و النائم لهم في ليلة القدر نصيب ؟ قال : نعم كل من تقبل الله عمله سيعطيه نصيبه من ليلة القدر .
فيها يفرق كل أمر حكيم
قال ابن عباس : إنك لترى الرجل يمشي في الأسواق وقد وقع اسمه في الموتى ثم قرأ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ فِِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ [ الدخان : 3-4 ] - يعني ليلة القدر - ففي تلك الليلة يفرق أمر الدنيا إلى مثلها من قابل .
قال البيهقي – رحمه الله - : ومعنى ليلة القدر الليلة التي يقدر الله تعالى لملائكته جميع ما ينبغي أن يجري على أيديهم من تدبير بني آدم ومحياهم ومماتهم إلى ليلة القدر من السنة القابلة ، وكان يدخل في هذه الجملة أيام حياة النبي أي يقدر فيها ما هو منزله من القرآن إلى مثلها من العام القابل.
. [ فضائل الأوقات ص 213 ]
سلام هي :
عن مجاهد في قوله تعالى : سلام هي قال : هي سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءا ولا يحدث فيها أذى .
قال قتادة : السلام : الخير والبركة .
فليلة القدر سبب للسلامة والنجاة من المهالك يوم القيامة ، حيث أنَّ من قامها إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه .
حبيبي في الله ...
التمسها في ليال العشر الأواخر
وقد أمرنا رسول الله بتحريها . فعن عائشة - رضي الله عنها - أنَّ النبي قال : تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان [ متفق عليه ]
وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - : أن رجالاً من أصحاب النبي أُروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر فقال رسول الله : أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر ، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر " [متفق عليه ]
وأمر بالتماسها في أوتار العشر الأواخر .
عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي قال : التمسوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان في تاسعة تبقى ، في سابعة تبقى ، في خامسة تبقى " [ رواه البخاري ]
فانتهى بيان النبي لليلة القدر إلى أنها في الوتر من السبع الأواخر ولم يزد على ذلك شيئاً .
وكان سلفنا يحتاطون فيتلمسون ليلة القدر في جميع ليال العشر ، أشفاعه وأوتاره ، كما حُكي ذلك عن الحسن البصري و مالك ـ رحمهما الله ـ ، وإن ذهب الأكثرون على تحريها في الليالي الوترية .
والصحيح في علامتها :
أنْ تشرق الشمس يومها لا شعاع لها .
عن ابن عباس أنَّ النبي قال : ليلة القدر ليلة سمحة طلقة لا حارة و لا باردة ، تصبح الشمس صبيحتها ضعيفة حمراء [ رواه أبو داود الطيالسي والبيهقي في سننه وصححه الألباني (5475)في صحيح الجامع ]
وقد كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان طلبًا لهذه المنحة الربانية العظيمة .
حبيبي في الله ..
إننا مأمورون بالسعي في اكتساب الخيرات و الاجتهاد في الأعمال الصالحات ، و كلٌ ميسر لما خلق له ، فينبغي للمؤمن أن يجتهد في هذه الليالي ما لا يجتهده في سائر العام لما فيه من المثوبة العظيمة .
فيا من ضاع عمره بلا شيء ، استدرك ما فاتك في ليلة القدر ، فإنها تحسب بالعمر ، فبادر إلى اغتنام العمل فيما بقي من الشهر فعسى أن تستدرك ما فاتك من ضياع العمر .
الاعتكاف في العشر الأواخر
وقد كان من هديه الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل ، وفي العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً - أي العشر الأواسط والعشر الأواخر جميعاً - وذلك لأن جبريل عارضه القرآن في تلك السنة مرتين فناسب أن يعتكف عشرين يوماً ، حتى يتمكن من معارضة القرآن كله مرتين ؛ ولأنَّه أراد مضاعفة العمل الصالح ، والاستزادة من الطاعات ، لإحساسه بدنو أجله
وقال بعض أهل العلم : إنَّه فعل ذلك شكراً لله تعالى على ما أنعم به عليه من الأعمال الصالحة من الجهاد والتعليم والصيام والقيام وما آتاه من الفضل من إنزال القرآن عليه ورفع ذكره وغير ذلك مما امتن الله تعالى به عليه .
وكان يدخل معتكفه قبل غروب الشمس فإذا أراد مثلاً أن يعتكف العشر الأواسط دخل المعتكف قبل غروب الشمس من ليلة الحادي عشر ، وإذا أراد أن يعتكف العشر الأواخر دخل المعتكف قبل غروب الشمس من ليلة الحادي والعشرين ، وكان يضرب له خباء مثل هيئة الخيمة ، فيمكث فيه غير أوقات الصلاة حتى تتم الخلوة له بصورة واقعية ، فكان دائم المكث في المسجد لا يخرج منه إلا لحاجة الإنسان ، من بول أو غائط ، وكان يؤتي إليه بطعامه وشرابه إلى معتكفه ، وكان يحافظ على نظافته ، إذْ كان يخرج رأسه إلى حجرة عائشة - رضي الله عنها - لكي ترجّل له شعر رأسه ، وكان أزواجه يزرْنه في معتكفه ، وكان لا يعود مريضاً ، ولا يشهد جنازة ، وذلك من أجل التركيز والانقطاع الكلي لمناجاة الله عز وجل .
حبيبي في الله ...
فالمقصود من الاعتكاف : تحري ليلة القدر ، و الخلوة بالله عز وجل ، والانقطاع عن الناس ما أمكن حتى يتم أنسه بالله عز وجل وذكره ، وإصلاح القلب ، ولم شعثه بإقبال على الله تبارك وتعالى بكليته ، والانقطاع التام إلى العبادة من صلاة ودعاء وذكر وقراءة قرآن ، و حفظ الصيام من كل ما يؤثر عليه من حظوظ النفس والشهوات ، و التقلل من المباح من الأمور الدنيوية ، والزهد في كثير منها مع القدرة على التعامل معها ، والتخلص من خصال الترف ، وحماية العبد من آثار فضول الصحبة ، فإنَّ الصحبة قد تزيد على حد الاعتدال ، فيصير شأنها شأن التخمة بالطعام ، وأيضًا حماية القلب من جرائر فضول الكلام ، وفيه كذلك حماية من كثرة النوم ، فإنَّ العبد إنما اعتكف في المسجد ليتفرغ للتقرب إلى الله ، بأنواع من العبادات ، ولم يلزم المسجد لينام .
حبيبي في الله ..
إذا كان بإمكانك الاعتكاف فلا تدعه فإنَّه سنة مؤكدة عن رسول الله ،
كان الزهري رحمه الله يقول : عجباً للمسلمين ! تركوا الاعتكاف ، مع أن النبي ما تركه منذ قدم المدينة حتى قبضه الله عز وجل .
وإن لم يكن بإمكانك فلا أقل من المكث طيلة الليل في المسجد للصلاة والذكر والدعاء ، فعساك توفق لليلة القدر فتجدك الملائكة مقيمًا على طاعة في بيت من بيوت الله ، وهذا – لا ريب – أدعى للرحمة .
فإذا اعتكفت فتأدب ، وعليك بعمارة الوقت لإصلاح قلبك ، فينبغي أن يكون شغلك الشاغل هو مرضاة الله عز وجل ، بالصلاة من فرض ونفل وبالدعاء ، وبالذكر ، وبقراءة القرآن الكريم ، وغير ذلك من أنواع الطاعات .
فإياك والسمر والجدل والنقاش مع إخوانك المعتكفين ، فبعض الناس يعدون الاعتكاف فرصة خلوة ببعض أصحابهم وأحبابهم ، وتجاذب أطراف الحديث معهم ، فهذا الاعتكاف ينافي الهدي النبوي جملة وتفصيلاً .
قال ابن رجب : ذهب الإمام أحمد إلى أنَّ المعتكف لا يستحب له مخالطة الناس , حتى ولا لتعليم علم وإقراء قرآن , بل الأفضل له الانفراد بنفسه والتحلي بمناجاة ربه وذكره ودعائه . [ لطائف المعارف ص (348) ]
نصائح مهمة
والسؤال الآن : ماذا أصنع ؟ ما الذي ينبغي عليَّ القيام به في هذه الأيام والليالي المباركة لعل الله يرزقني هذه المنزلة العظيمة ببلوغ ليلة القدر ؟
والجواب :
عليك – حبيبي في الله – ابتداءً بمراعاة هذه الأمور ليكون العمل أدعى للقبول إن شاء الله تعالى
(1) قال : إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى [ متفق عليه ]، ولهذا يعظم الأجر كلما كثرت النوايا ، ولهذا كانت نية المرء خير من عمله
كان ابن المبارك يقول : رب عمل صغير تعظمه النية ، ورب عمل كبير تصغره النية .
ومن هنا يتبين لك حكمة تأكيد النبي على الاحتساب حال صيام رمضان وقيامه وقيام ليلة القدر .
ولذلك فسأذكر لك الأعمال التي ينبغي أن تقوم بها في زمان العشر ، وأذكر نفسي وإياك بفضائلها لتحتسب تلك الأجور عند الله تعالى ، ولا ريب أنَّ الاحتساب مدعاة للإخلاص ، والمداومة على " الاحتساب " تجعل حياتك كلها طاعات ، والطاعة طريق موصل إلى محبة الله تعالى ، وحينها لا تسأل عن النعيم .
(2) من علامة الصدق والإخلاص : استفراغ الوسع في الطاعة ، فلا تفتر في هذا الزمان عن طلب رضا الله تعالى بشتى الطاعات ، واكلف من العمل ما تُطيق ، فعلى قدر جدِّك واجتهادك تكونُ منزلتك عند الله تعالى ، فلا تدع بابًا للخير إلا طرقته ، وتنوع الطاعات علاج لطبيعة الملل عند الإنسان .
(3) من أشرف العبادات التي تتقرب إلى الله بها في هذا الوقت " التبتل " أي الانقطاع إلى الله ، قال تعالى : وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًارَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا [ المزمل : 8-9 ] ففرِّغ قلبك له .
لما انقطعت مريم البتول إلى الله آثرها على نساء العالمين ، ولما تبتلت آسية امرأة فرعون لله ، وتركت الجاه والملك ، آثرها الله بالقرب منه في جنته ودار علاه ، فمن انقطع لله أغناه الله عمن سواه ، فشتان بين منقطع لخدمة ربه ، وآخر ينقطع لخدمة النَّاس
فعليك بهذه الأمور : أغلق الهاتف ، وانس همومك ، ودع مشاغلك ، ولهذا كان الاعتكاف لك أفضل ، وإلا فتأدب بآداب المعتكف ، فعليك بالصمت ، فمن صمت نجا ، وأحصِ عدد كلماتك في اليوم والليلة ، واشتغل بالذكر والوصال مع رب العالمين .
(4) عليك بالمجاهدة والمعاناة مع الصبر والاصطبار
قال بعض العلماء : من أراد أن تواتيه نفسه على الخير عفواً فسينتظر طويلاً بل لابد من حمل النفس على الخير قهراً .
(5) هذا زمان السباق ، فلا ترضَ بالخسارة والدون ، بل ادخل السباق بنفسية المتحدي كما قال أبو مسلم الخولاني : " أيظن أصحاب محمد أنْ يستأثروا به دوننا ، كلا والله لنزاحمهم عليه زحاما حتى يعلموا أنهم قد خلَّفوا وراءهم رجالاً " .
قال وهيب بن الورد : إنْ استطعت ألا يسبقك إلى الله أحد فافعل .
وقال الشيخ شمس الدين التركستاني : ما بلغني عن أحد من النَّاس أنَّه تعبد عبادة إلا تعبدت نظيرها وزدت عليه .
وقال أحدهم : لو أنَّ رجلاً سمع برجل هو أطوع لله منه فمات ذلك الرجل غمَّا ما كان ذلك بكثير (6) لا تجعل طريقًا للعجز والكسل ، فاستعن بالله ، وأكثر من التعوذ " اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل " ، وتخفف من الطعام فإنَّه مدعاة للكسل ، واخرج من نطاق خدمة " الكسل " فابتعد عن رفقة البطالين ، ورافق الصالحين ، فتنشط للطاعة ، واعلم أنَّ العمل يُشفي من العلل .
قال وهب بن منبه : من يتعبد يزدد قوة ومن يتكسل يزدد فترة .
(7) إياك وكثرة النوم فإنه يميت القلب ويثقل البدن ويضيع الوقت ، وأنت في هذا الزمان الشريف تحتاج لحياة القلب لا قسوته ، وخفة البدن ، واغتنام اللحظات .
(
أحسن الظن بالله ، فإنَّه يمنع الجود سوء الظن بالمعبود ، ولو أحسنت الظن بالله ستحسنُ العمل ، لأنك ستحبه حبًا عميقًا . اللهم نسألك حبَّك ، وحبَّ من يحبك ، وحب كل عمل يقربنا إلى حبِّك .
(9) تعاهد عملك بالإصلاح ، فاجمع بين الكم والكيف .
قال لأم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها- إنَّ لك من الأجر على قَدر نصبك .[ رواه الحاكم وصححه الألباني (1116) في صحيح الترغيب ] فكل ما كثر وشقَّ كان أفضل ، لكن العمل القليل قد يفضل الكثير باعتبار الزمان وباعتبار المكان وباعتبار كيفية الأداء .
قال وهيب بن الورد : لا يكون همُّ أحدكم في كثرة العمل ، ولكن ليكن همُّه في إحكامه وتحسينه ؛ فإنَّ العبد قد يُصلِّي وهو يعصي الله في صلاته ، وقد يصوم وهو يعصي الله في صيامه .
فاجمع بين الأمرين تنال قصب السبق .
(10) من علامات قبول العمل عدم رؤيته ، وأصل الخطايا الرضا عن النفس ، ومن الجهل بالله اشتغال القلب بالعمل دون رحمة الله المسببة له ، قال تعالى : قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ [ يونس : 58 ] فلا تركن إلى عمل ، بل انظر إلى وجه القصور فيه ، واستغفر الله على نقصانه ليكون على مظنة القبول . قال تعالى : وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ [ المؤمنون : 60 ]
(11) لتكن لك عبادات في السر ، لا يطلع عليها إلا الله ، فهذا أدعى للإخلاص .
قال : صلاة الرجل تطوعا حيث لا يراه الناس تعدل صلاته على أعين الناس خمسا و عشرين
[ رواه أبو يعلى وصححه الألباني (3821) في صحيح الجامع ]
ماذا تفعل في هذه الليلة ؟
(1) إحياء الليل بالصلاة والتهجد .
فقد كان النبي يحيي ليالي العشر وهذا بالتهجد فيها والصلاة .
فيا رجال الليل جدوا ، رب داع لا يرد ، ما يقوم الليل إلا من له عزم و جد .
يا ليلة القدر للعابدين اشهدي ، يا أقدام القانتين اركعي لربك و اسجدي ، يا ألسنة السائلين جدي في المسألة و اجتهدي .
ليلة القدر عند المحبين ليلة الحظوة بأنس مولاهم وقربه ، و إنما يفرون من ليالي البعد و الهجر .
(2) إعانة الأهل على العمل الصالح .
قال تعالى : وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [ طـه :132 ] وقد كان النبي يوقظ أهله للصلاة في ليالي العشر دون غيره من الليالي .
و في حديث أبي ذر أن النبي لما قام بهم ليلة ثلاث وعشرين ، وخمس و عشرين ذكر أنه دعا أهله و نساءه ليلة سبع و عشرين خاصة ، و هذا يدل على انه يتأكد إيقاظهم في أكد الأوتار التي ترجى فيها ليلة القدر .
قال سفيان الثوري : أحب إلي إذا دخل العشر الأواخر أن يتهجد بالليل و يجتهد فيه ، و ينهض أهله و ولده إلى الصلاة إن أطاقوا ذلك .
واحتسب حينها : أن تكتب أنت وأهلك من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات ، وتنال بذلك مغفرة وأجرًا عظيمًا .
قال : من استيقظ من الليل و أيقظ امرأته ، فصليا ركعتين جميعا ، كُتبا ليلتئذٍ من الذاكرين الله كثيرا و الذاكرات [ رواه أبو داود وحسنه الألباني (6030) في صحيح الجامع ]
وقد قال الله تعالى : وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [ الأحزاب :35 ]
(3) كثرة الدعاء فيها :
فقد أمر النبي أم المؤمنين عائشة بالدعاء فيها .
قالت عائشة - رضي الله عنها - للنبي : أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول فيها قال :
قولي : اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني .
قال سفيان الثوري : الدعاء في تلك الليلة أحبُّ إليَّ من الصلاة ، و إذا كان يقرأ ، وهو يدعو ، ويرغب إلى الله في الدعاء و المسألة لعله يوافق .
ومراده ـ رحمه الله ـ أنَّ كثرة الدعاء أفضل من الصلاة التي لا يكثر فيها الدعاء ، و إن قرأ و دعا كان حسناً .
وقد كان النبي يتهجد في ليالي رمضان ويقرأ قراءة مرتلة لا يمر بآية فيها رحمة إلا سأل ، و لا بآية فيها عذاب إلا تعوذ ، فيجمع بين الصلاة و القراءة و الدعاء و التفكر ، وهذا أفضل الأعمال و أكملها في ليالي العشر و غيرها .
(4) تطهير الظاهر والباطن
قال ابن جرير : كانوا يستحبون أن يغتسلوا كل ليلة من ليالي العشر الأواخر .
و كان النخعي يغتسل في العشر كل ليلة ، و منهم من كان يغتسل و يتطيب في الليالي التي تكون أرجى لليلة القدر
روي عن أنس بن مالك : أنه إذا كان ليلة أربع و عشرين اغتسل و تطيب و لبس حلة إزار أو رداء ، فإذا أصبح طواهما فلم يلبسهما إلى مثلها من قابل .
وكان أيوب السختياني يغتسل ليلة ثلاث و عشرين و أربع و عشرين و يلبس ثوبين جديدين و يستجمر .
و قال حماد بن سلمة : كان ثابت البناني و حميد الطويل يلبسان أحسن ثيابهما و يتطيبان و يطيبون المسجد بالنضوح و الدخنة في الليلة التي ترجى فيها ليلة القدر .
و قال ثابت البناني : كان لتميم الداري حلة اشتراها بألف درهم ، وكان يلبسها في الليلة التي ترجى فيها ليلة القدر .
فتبين بهذا أنه يستحب في الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر التنظف و التزين ، و التطيب بالغسل و الطيب و اللباس الحسن ، ولا يكمل التزين الظاهر إلا بتزين الباطن " بالتوبة و الإنابة إلى الله تعالى و تطهيره من أدناس الذنوب وأوضارها ، فإن زينة الظاهر مع خراب الباطن لا تغني شيئاً قال الله تعالى : يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ [الأعراف :26 ]
فلا يصلح لمناجاة الملك في الخلوات إلا من زين ظاهره و باطنه ، وطهَّرهما خصوصاً لملك الملوك الذي يعلم السر و أخفى ، و هو لا ينظر إلى صوركم ، و إنما ينظر إلى قلوبكم و أعمالكم ، فمن وقف بين يديه فليزين له ظاهره باللباس ، و باطنه بلباس التقوى .
حبيبي في الله ..ليلها كنهارها لا تغفل عن ذلك
وقد ذهب بعض السلف إلى اعتبار ليلة القدر كنهارها في لزوم الاجتهاد في العمل الصالح .
قال الشعبي في ليلة القدر : ليلها كنهارها .
وقال الشافعي في القديم : استحب أن يكون اجتهاده في نهارها كاجتهاده في ليلها . وهذا يقتضي استحباب الاجتهاد في جميع زمان العشر الأواخر ليله ونهاره .
فالمحبون تطول عليهم الليالي فيعدونها عداً لانتظار ليالي العشر في كل عام ، فإذا ظفروا بها نالوا مطلوبهم وخدموا محبوبهم .
البرنامج العملي لأيام العشر لحظة بلحظة (1)
تعالوا بنا إلى يوم من حياة المؤمن على وفق هدي الحبيب محمد ، فإنَّ للقبول شرطين : الإخلاص ، ومتابعة النبي ، وهذا زمان الفضائل فمستقل ومستكثر ، فيا باغي خير ليلة القدر أقبل ، واجعل لنفسك وردًا للمحاسبة ، وطالع النيات التي مع كل عمل لتحتسبها ليعظم أجرك ، اكتب هذه النقاط في سجل خاص بك ، وحاسب نفسك على النقير والقطمير ، وكفى بنفسك اليوم عليك حسيبًا .
(1) مع أذان المغرب
فمع التكبيرة الأولى لأذان المغرب من ليلة الحادي والعشرين من رمضان ليكن شغلك الشاغل وسؤالك الدائم الدائر في أعماق قلبك : كيف أشكر هذه النعمة ؟
واحتسب : إجابة الدعاء فإنها لحظات تُستجاب فيها الدعوات ، فلا تغفل في هذه اللحظة ، بل الهج بالدعاء والذكر ، فإنَّها لحظة العتق فلتُعمل قلبك ولسانك ، وألح في الدعاء أن يعتق الله رقبتك في هذه الليلة ، وهكذا كل ليلة .
(2) وعليك أن تشتري تمرًا لتفطر عليه كما هي السنة ، وفطِّر الصائمين – سواء أكنتَ معتكفًا أم لا - أو اسعَ في سقاية أهل المسجد .
واحتسب : أجر هؤلاء الصائمين في ميزان حسناتك إن شاء الله تعالى .
فأفطر وتعجل فإنَّها السنَّة ، وفيها مخالفة للمغضوب عليهم
ولا تنس أن تقول ذهب الظمأ ، و ابتلت العروق ، و ثبت الأجر إن شاء الله كان ما كان النبي يفعل [ رواه أبو داود وحسنه الألباني (4678) في صحيح الجامع ]
(3) ومع الأذان
لا تنس َ أن تردد كلمات الأذان ، وقل : و أنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله ، رضيت بالله ربا ، و بمحمد رسولا ، و بالإسلام دينا ، ثمَّ صلَّ على النبي محمد وسل الله له الوسيلة .
واحتسب بهذه الكلمات : أن تكون سببًا في دخولك الجنة ، ومغفرة ما تقدم من ذنبك ، وشفاعة النبي محمد .
(4) وبعدها يشرع لك الدعاء فإنّه وقت للإجابة ، ويا حبذا أن تدرك الأذان في المسجد ، واحتسب – أيها المعتكف – ذلك الخير كصنيع سلفنا الصالح ، فهذا سعيد بن المسيب ـ رحمه الله ـ يخبر عن نفسه أنَّه ما ترك صلاة جماعة في المسجد أكثر من أربعين سنة يدرك الآذان مع المؤذن
(5) وعليك أن تكون قد تهيأت للصلاة : وأول ذلك الوضوء – إن لم تكن متوضئًا – والأفضل أن تفعل هذا قبل أذان المغرب
فتوضأ ، واجعل هذا المعنى يجول بقلبك : اللهم يا من تطهر الأبدان بالماء ، طهر قلبي بالتوبة من الذنوب والآثام ، فإذا فرغت من الوضوء فقل : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، و أنَّ محمدًا عبدُه و رسولُه
واحتسب بذلك : تناثر السيئات من أعضاء الوضوء فيا ليتها تُنثر آثارها من القلوب ، وتحصيل نصف الإيمان ، وتكفير الخطايا والسيئات ، وأن تكون من أهل الإيمان بالمحافظة عليه ،
وأنَّها أعضاء الوضوء ستكون غرة لك يوم القيامة .
(6) ولا تغفل عن السواك فإنَّه من الأسباب لرضا الرحمن ، ووصية النبي .
وقال : السواك مطهرة للفم مرضاة للرب [ رواه النسائي وابن خزيمة في صحيحيهما وصححه الألباني (209) في صحيح الترغيب ]
قال : لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء ومع كل وضوء بسواك
[ رواه أحمد ، وقال الألباني : حسن صحيح (200) في صحيح الترغيب ]
(7) وقل بعد الفراغ منه :
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، و أنَّ محمدًا عبدُه و رسولُه ، سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .
واحتسب : أن تكون قد أتيت بسبب لفتح أبواب الجنة الثمانية ، ومنحة عظيمة مدخرة ليوم المعاد
(
التوجه للمسجد لأداء صلاة المغرب في أول الوقت .
ثمَّ توجه إلى المسجد - إن لم تكن معتكفًا أو قد خرجت له ، وانتظرت الصلاة فيه – ولا تنسَ ذكر الخروج : " بسم الله ، توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله "
واحتسب : الهداية والوقاية وابتعاد الشيطان عنك .
(9) وأبشر بالغنيمة الباردة ، فاحتسب هذه الخطوات فإنَّها عظيمة الأجر ؛ فلك بكل خطوة حسنة ومحو سيئة ، وأجر صدقة ، وأجر الرباط في سبيل الله ، ولك أن تعرف أنَّ رباط شهر خير من صيام دهر ، واحتسب أنَّك منذ خرجت من بيتك فأنت في صلاة حتى ترجع ، فاحتسب كل ثانية من هذا الوقت في ميزان حسناتك ، وأبشر بالنور التام يوم القيامة يا من تمشي في ظلام الليل إلى المساجد ، واعلم أنَّ هذه الخطوات سبب من أسباب سعادتك في الدنيا والآخرة ، وخروجك من الذنوب كيوم ولدتك أمك ، وأعد الله لك في كل مرة تذهب إلى المسجد منزلاً في الجنة ، وكنت في ضمان الله وحفظه .
وخذها هدية – ولا تنس الدعاء لي بعدها – فاحتسب في ذهابك للصلاة المكتوبة أجر حجة . قال : من مشى إلى صلاة مكتوبة في الجماعة فهي كحجة [ أخرجه الطبراني في الكبير وحسنه الألباني (6556) ]
(10) ثمَّ إذا دخلت المسجد فلا تنس ذكر الدخول : قال : إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي و ليقل : اللهم افتح لي أبواب رحمتك [ رواه أبو داود وصححه الألباني (515) في صحيح الجامع ]
واستحضر أنَّك ما أتيت هذه الصلاة إلا ابتغاء رضوان الله ، وأبشر بفرح الله بك ، ولن تعدم من ربٍ يضحك ويفرح خيرًا .
قال : لا يتوضأ أحدكم فيحسن وضوءه فيسبغه ثم يأتي المسجد لا يريد إلا الصلاة إلا تبشش الله إليه كما يتبشش أهل الغائب بطلعته [ رواه ابن خزيمة وصححه الألباني (303) في صحيح الترغيب ]
فأنت الآن ضيف في بيت الله ، فأبشر بالكرم والجود الإلهي السابغ .
واحتسب : أن تكون في ظل عرش الرحمن يوم الحشر حين تدنو الشمس من الرؤوس ويلجم العرق النَّاس إلجامًا ، ويعانون من شدة الحر ما لا يوصف .
وانوِ الاعتكاف الجزئي في المسجد ، لتنال شيئًا من فضل الاعتكاف في المساجد – إن لم تكن معتكفًا -
(11) ثمَّ صلِّ ركعتين ، لعلها تكون سبب غفران الذنوب المتقدمة ، ودخولك الجنة ، ومرافقة الأحبة محمد وصحبه .
ولك في كل صلاة نافلة أن تحتسب ما يلي :
(أ) القرب من الله تعالى . قال تعالى : وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [ العلق : 19] فكلَّما سجدت أكثر كان قربك من الله أكثر وصرت عن الدنايا أعلى ، ولك دعوة مستجابة .
(ب) مرافقة النبي في الجنة . فقد قال لربيعة بن كعب لمَّا سأله مرافقته في الجنة أعني على نفسك بكثرة السجود [رواه مسلم ]
(ج) تكفير الخطايا ورفعة الدرجات عند الله تعالى . قال رسول الله : عليك بكثرة السجود لله ، فإنَّك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة ، وحطَّ عنك بها خطيئة [ رواه مسلم ]
وأبشر : فقد قال : فإن هو قام فحمد الله وأثنى عليه ومجَّده بالذي هو له أهل ، وفرَّغ قلبه لله تعالى إلا انصرف من خطيئته كيوم ولدته أمه [ رواه مسلم ]
فلعلك ترزق صلاة ذات خشوع وخضوع تفرغ فيها قلبك لله تعالى ، فتخرج من ذنوبك كلها .
(12) وانتظر الصلاة ، واحتسب في جلوسك في المسجد : استنزال الرحمة والمغفرة ، وأنَّك في صلاة ما انتظرت الصلاة ، و أن تكون في صحبة الملائكة ورفقة الصالحين ، ولعل الله يكتبك في عباده المتقين بذلك ، قال : المسجد بيت كل تقي [ رواه الطبراني في الكبير والأوسط والبزار وحسنه الألباني (330) في صحيح الترغيب ]
(13) عليك أن تُشغل هذا الوقت بالاستغفار والدعاء والذكر ، أو بقراءة شيء من القرآن ، و الدعاء بين الأذان والإقامة مستجاب
(14) أداء صلاة المغرب
ثمَّ قم لأداء صلاة المغرب في الجماعة ، ولابد أن تكون قبلها قد أفطرت فتلك السُّنة ، ولا تنس السواك .
وتحرَّ أن تكون في الصف الأول ، واحتسب : أنْ يكون هذا سببًا في تنزل رحمة الله عليك ، وهدايتك للتي هي أقوم ، ولك من الله منحة عظيمة ، ويكفيك أنَّ استغفار رسول الله لك .
فقد كان يستغفر للصف المقدم ثلاثا وللثاني مرة . [ رواه ابن ماجه والنسائي وابن خزيمة في صحيحه والحاكم وصححه الألباني (490) في صحيح الترغيب ]
وأن تدرك تكبيرة الإحرام وأبشر بخطوة في الطريق
قال : من صلى لله أربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتب له براءتان : براءة من النار و براءة من النفاق [رواه الترمذي وحسنه الألباني (6365) في صحيح الجامع ]
وهذا مشروع إيماني ينبغي أن تفرغ له نفسك ، إنها مائتا صلاة ، فاعتبرها مائتي خطوة إلى الجنة ، فهل لا تستحق سلعة الله الغالية أنْ تتفرغ لها ؟
ثمَّ احتسب بصلاتك في أول الوقت أن يرزقك الله محبته بتقربك له بأحب الأعمال إليه .
واحتسب بصلاتك في الجماعة عظيم الأجر
قال : صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة [ متفق عليه ]
(15) وبعد أداء صلاة المغرب
قبل أن تثني رجلك لا تنس هذا الذكر العظيم ، لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيي ويميت ، وهو على كل شيء قدير عشر مرات
واحتسب : أن تكون قد أتيت بسبب من أسباب عتق الرقاب ، والجزاء من جنس العمل ، فأعتق لعلك تُعتق ، والحفظ من الشيطان من همزه ونفخه ونفثه ووساوسه ، ومحو الخطيئات وكتابة الحسنات الموجبات .
(16) ثمَّ قل : أذكار ما بعد الصلاة .
(أ) سبح ثلاث وثلاثين ، واحمد ثلاثًا وثلاثين ، وكبر ثلاثًا وثلاثين ، واختم المائة بقولك : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شي قدير .
واحتسب : أن يغفر الله لك ذنوبك ولو كانت مثل زبد البحر.
(ب) قل : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك .
واحتسب : أن يبلغك الله محبة النبي بتنفيذك لوصية رسول الله لحبيبه معاذ .
(ج) اقرأ : آية الكرسي .
واحتسب : أن تكون سبب حسن خاتمك ودخولك الجنة إن متَّ تلك الليلة .
(17) ثمَّ عليك بأداء السنة الراتبة ، ويفضل أن تؤديها في البيت ، إلا أن تخاف أن تُشغل عنها ، واحتسب مع مثيلاتها من السنن الرواتب : أنها سبب لدخول الجنة .
واقرأ في الأولى ( سورة الكافرون ) ، وفي الثاني ( قل هو الله أحد ). [ الصحيحة (3328) ]
واحتسب : ثواب قراءة (ثلث وربع ) القرآن
(18) وعليك أن تتخفف في الإفطار بعد المغرب ، وأوصيك بإحياء هذا الوقت بالصلاة فإنَّها من السنن المهجورة
وعن حذيفة قال : أتيت النبي فصليت معه المغرب فصلى إلى العشاء . [ رواه النسائي وصححه الألباني (590) في صحيح الترغيب ]
وعن أنس : في قوله تعالى : تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [ السجدة : 16 ] قال : كانوا يتنفلون ما بين المغرب والعشاء يصلون . [ رواه أبو داود وصححه الألباني في صحيح الترغيب (589) ]
(19) فإذا قرب وقت العشاء فاصنع كما مرَّ بك في صلاة المغرب .
(20) فإذا خرجت لصلاة العشاء والتراويح فاحتسب أجر حجة وعمرة ، - وأنت أيها المعتكف احتسب هذا الأجر أيضًا - وإن لم تخرج ، فلعلك ترزقه بنيتك .
قال : من مشى إلى صلاة مكتوبة في الجماعة فهي كحجة ، و من مشى إلى صلاة تطوع فهي كعمرة نافلة [ أخرجه الطبراني في الكبير وحسنه الألباني (6556) ]
ولا تنس َ أذكار الخروج من المنزل ، والدخول للمسجد ، واحتساب الأجر كما مرَّ .
(21) فإذا كانت صلاة العشاء .
فاحتسب : ثواب قيام نصف الليل ، و مخالفة المنافقين ( أعاذنا الله أن نكون منهم )
ثمَّ صلِّ بعد العشاء ركعتين خفيفتين هي السنة الراتبة
(22) فإذا كانت صلاة التراويح .
وعليك أنْ تهتم جيدًا بالنيات والمعاني التي سأذكرها لك ؛ لأنَّ النبي قال : من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا [ متفق عليه ] فنبه على الاحتساب
فماذا تحتسب في صلاة التراويح ؟
(أ) أن تكتب لك قيام الليلة كلها وذلك بأن تصلي حتى ينصرف الإمام .
عن أبي ذر قوله إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة [ رواه أحمد وابن حبان وصححه الألباني ( 1615) في صحيح الجامع ]
ولك في القيام منح ربانية عظيمة فاحتسبها ليزداد أجرك .
(ب) عظيم الأجر عند الله تعالى بالفوز بالجنة والنجاة من النَّار .
قال تعالى : إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة: 15-17]
ووصفهم في موضع آخر , بقوله : وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا إلى أنْ قال أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا [الفرقان : 64-75]
وفي ذلك من التنبيه على فضل قيام الليل , وكريم عائدته ما لا يخفى وأنه من أسباب صرف عذاب جهنم ، والفوز بالجنة , وما فيها من النعيم المقيم , وجوار الرب الكريم , جعلنا الله ممن فاز بذلك.
(ج) مغفرة سالف الذنوب .
كما تقدم من قوله : من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه [متفق عليه]
(د) تحصيل منزلة التقوى
قال تعالى : إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ [الذاريات : 15-17] فجعل القيام من صفاتهم .
(هـ) أنْ يلحقك الله بركب الصالحين والصديقين والشهداء .
وجاء رجل إلى النبي فقال : يا رسول الله : أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله ، وصليت الصلوات الخمس ، وأديت الزكاة ، وصمت رمضان وقمته ، فممن أنا ؟ قال رسول الله : من الصديقين والشهداء .[ رواه البزار وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما واللفظ لابن حبان . وصححه الألباني (361) في صحيح الترغيب]
وقال : عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم [ أخرجه الترمذي والإمام أحمد في مسنده وصححه الألباني ( 4079 ) في صحيح الجامع ] .
(و) تثبيت الإيمان والإعانة على جليل الأعمال , وما فيه صلاح الأحوال والمآل
قال تعالى : يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا إلى قوله : إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا [المزمل : 1-6 ]
قال الفراء : أَشَدُّ وَطْئًا أي أثبت للعمل وأدوم لمن أراد الاستكثار من العبادة والليل وقت الفراغ عن الاشتغال بالمعاش فعبادته تدوم ولا تنقطع .
وقال عكرمة : وَأَقْوَمُ قِيلًا أي أتم نشاطا وإخلاصا وأكثر بركة .
وقال ابن زيد : أجدر أن يتفقه في القرآن وقيل أعجل إجابة للدعاء .
(س) الوقاية والنجاة من الفتن ، والسلامة من دخول النار
فعن أم سلمة - رضي الله عنها - أن النبي , استيقظ ليلة فقال : سبحان الله , ماذا أُنزل الليلة من الفتنة ؟ ! ماذا أنزل الليلة من الخزائن ؟ ! من يوقظ صواحب الحجرات ؟ [ رواه البخاري ]
وفي ذلك تنبيه على أثر الصلاة بالليل في الوقاية من الفتن
وفي قصة رؤيا ابن عمر قال : "فرأيت كأن ملكين أخذاني , فذهبا بي إلى النار ، فإذا هي مطوية كطي البئر , وإذا لها قرنان - يعني كقرني البئر - وإذا فيها أناس قد عرفتهم , فجعلت أقول أعوذ بالله من النار , قال : فلقينا ملك آخر . فقال : لم ترع " فقصصتها على حفصة , فقصتها حفصة على النبي , فقال : نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل , فكان عبد الله لا ينام من الليل إلا قليلا [متفق عليه ]
(ح) أن يعزك الله وتكون من أشراف العباد .
قال : شرف المؤمن قيامه بالليل و عزُّه استغناؤه عن الناس [ أخرجه الحاكم في المستدرك والبيهقي وحسنه الألباني (73) في صحيح الجامع ]
وقال : أشراف أمتي حملة القرآن وأصحاب الليل [ رواه ابن أبي الدنيا والبيهقي وصححه الألباني (628) في صحيح الجامع ]
(ط) أن يكون سببًا في العصمة من الذنوب .
(ي) التقرب على الله تعالى .
(ك) تكفير السيئات .
قال : قال عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم ، وقربة إلى ربكم ، ومكفرة للسيئات ومنهاة عن الإثم
(ي) إصلاح فساد القلوب .
قيل للحسن : ما بال القائمين أحسن الناس وجوها ؟ فقال : إنهم خلوا بالله في السحر فألبسهم من نوره
وفي ليالي العشر لا نوم ، بل اشتغال بالصلاة حتى تتفطر قدمك ، ولم لا ؟ والجائزة قد علمت قدرها وشرفها .
قال : من قام بألف آية كتب من المقنطرين [ رواه أبو داود وابن حبان وصححه الألباني (6439) في صحيح الجامع ]
وهذا زمان السباق إلى الله تعالى ، فشمِّر عن ساعد الجد ، وأرِ الله من نفسك عزيمة صادقة على بلوغ تلك المراتب العالية .
كان تميم الداري وأبي بن كعب يقوما بالناس في شهر رمضان فكان القارئ يقرأ بالمائتين في ركعة ، حتى كانوا يعتمدون على العصي من طول القيام ، وما كانوا ينصرفون إلا عند الفجر ، بل كان بعضهم يربط الحبال بين السواري ثمَّ يتعلق بها .
ومن الآداب احتسب : إقامة سنة من السنن المهجورة بالتسوك بين ركعات القيام .
فقد كان رسول الله يصلي بالليل ركعتين ركعتين ثم ينصرف فيستاك [ رواه ابن ماجه والنسائي وصححه الألباني (212) في صحيح الترغيب ]
نصيحة
إن كنت ذا همة فحاول أن تصلي وراء أحد الائمة ممَّن يطيلُ الصلاة فإنَّها أفضل القيام ، قال : أفضل الصلاة طول القنوت [ رواه مسلم ]
أو اذهب على أحد المساجد التي يتهجدون فيها طوال الليل ، وانصحك بأن لا تخرج من المسجد حتى الفجر ، وتقضي هذا الوقت كله في الصلاة وقراءة القرآن والدعاء والاستغفار ، وإياك أن تلغو ، أو تغفل في أمور الدنيا ، حتى لا يطلع الله عليك وهذه حالتك فيعرض عنك كما أعرضت عنه .
(23) وقت السحر وقت المناجاة
فإنه وقت نزول الرب جل وعلا ، وقت إجابة الحاجات ، وعطايا الوهاب ، ومغفرة الذنوب ، والتوبة للمذنبين .
قال : إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه ينزل الله إلى السماء الدنيا فيقول : هل من سائل فيعطى ؟ هل من داع فيستجاب له ؟ هل من مستغفر فيغفر له ؟ حتى ينفجر الصبح [ رواه مسلم ]
وفي رواية :
قال : تفتح أبواب السماء نصف الليل ، فينادي مناد : هل من داع فيستجاب له ؟ هل من سائل فيعطى ؟ هل من مكروب فيفرج عنه ؟ فلا يبقى مسلم يدعو بدعوة إلا استجاب الله عز وجل له إلا زانية تسعى بفرجها أو عشار [ أي جابي الضرائب بغير حق ] [رواه أحمد والطبراني وصححه الألباني (2391)في صحيح الترغيب ]
رياح هذه الأسحار تحمل أنين المذنبين ، وأنفاس المحبين وقصص التائبين ، ثم تعود برد الجواب بلا كتاب ، فإذا ورد بريد برد السحر يحمل ملطفات الألطاف لم يفهمها غير من كتبت إليه .
يا يعقوب الهجر قد هبت ريح يوسف الوصل ، فلو استنشقت لعدت بعد العمى بصيراً ، ولوجدت ما كنت لفقده فقيراً .
لو قام المذنبون في هذه الأسحار على أقدام الانكسار ، ورفعوا قصص الاعتذار مضمونها : فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ [ يوسف : 88 ]
لبرز لهم التوقيع عليها : لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [ يوسف : 92 ]
(24) أكثر من الاستغفار في هذا الوقت ، واحتسب : تكفير الخطايا العظام . ( فالزم هذا الاستغفار)
قال : أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفر له وإن كان فر من الزحف [ رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني (1622) في صحيح الترغيب ]
وأنْ يلحقك الله بركب المتقين ، ويدفع عنك العذاب والنقم والابتلاءات ، ويمن الله عليك بطوبى في الجنة ، و يدخل على قلبك السرور يوم الفزع الأكبر عند الحساب .
فائدة عن سادات المستغفرين
قال أبو هريرة : إني لأستغفر الله وأتوب إليه كل يوم اثني عشر ألف مرة وذلك على قدر ديني أو قدر دينه . [ الحلية (1/383) ]
قال رياح القيسي : لي نيف وأربعون ذنبا قد استغفرت لكل ذنب مائة ألف مرة .[ الحلية (6/194) ]
ودخل حبيب بن مسلمة الفهري الحمَّام بحمص فقال : هذا من نعيم ما ينعم به أهل الدنيا ، لو مكثت فيه ساعة لهلكت ، ما أنا بخارج منه حتى أستغفر الله ألف مرة . [ الآحاد والمثاني (2/129) ]
وهذا عبد العزيز المقدسي قال : لما بلغت الحلم أخذت على نفسي أن أروضها وأمنعها من الآثام ، واستوفقت الله تعالى فوفقني ، واستعنت به فأعانني ، ولقد حاسبت نفسي من يوم بلوغي إلى يومي هذا ، فإذا زلاتي لا تجاوز ستة وثلاثين زلة، ولقد استغفرت الله عز وجل لكل زلة مائة ألف مرة ، وصليت لكل زلة ألف ركعة ختمت في كل ركعة منها ختمة ، وإني مع ذلك غير آمن سطوة ربي عزوجل أن يأخذني بها وأنا على خطر قبول التوبة . [ صفة الصفوة (4/245) ]
(25) السحور .
تسحر ولا تنس تبييت النية بالصيام - وأكلة السحور في نفسها نية - وكلَّما أخرّتها كان أفضل ، والسحور أكلة بركة فلا تتركها ولو بجرعة ماء ، وأفضله : التسحر بالتمر .
واحتسب : أنْ يكون في امتثالك لهدي النبي سبب لأن يهديك الله ويرزقك البصيرة .
(26) الدعاء .
مرَّ عليك أنَّ هذا وقت من أوقات إجابة الدعاء ، فالزم :
اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفُ عنَّا ، ربنا ظلمنا أنفسنا ، وإن لا تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ، رب إنَّي ظلمت نفسي فاغفر لي ، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، سبحانك ما عبدناك حق عبادتك فاغفر لنا .
ومن آداب الدعاء : كثرة الثناء على الله بما هو أهله ، وهو ما يسميه العلماء ( التملق ) : لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك .
سأل أعرابي النبي فقال : علمني دعاء لعل الله أن ينفعني به . فقال : قل اللهم لك الحمد كله وإليك يرجع الأمر كله . [ رواه البيهقي وحسنه الألباني (1576) في صحيح الترغيب ]
(27) مع الفجر .
أنت من الآن قد شرعت في عبادة الصيام ، فأكرم بها من طاعة ، ولك فيها نيات عظيمة ، اذكرك بها هنا لعلك قد نسيتها بعد مضى عشرين يومًا ، فأخشى أن يكون قد صار عادة ، فاحتسب هذه النوايا في الصيام ليزداد أجرك ، وتعظم منزلتك عند الله تعالى .
فاحتسب :
• تحصيل ثمرة التقوى . لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [ البقرة : 183]
• والتخلص من آصار وتبعات ذنوب الماضي .
• وأن يبلغك الله الدرجات الرفيعة والتشرف بأداء عمل نسبه الله لنفسه .
• والاستشفاء من جميع الآفات التي تحول بينك وبين الله فالصوم لا مثل له .
• واحتسب بصومك الوقاية من آثار الفتن ، والنجاة من شدة الحساب فالصيام كف